osama mousli
عدد الرسائل : 347 تاريخ التسجيل : 25/11/2006
| موضوع: العالم الداعية والمربي الكبير الشيخ علي الدقر رحمه الله الأحد نوفمبر 26, 2006 3:28 pm | |
| نحن اليوم مع عَلم آخر من أعلام العلم والدعوة في بلاد الشام ، ذلكم هو فضيلة العالم العامل الناصح ، والداعية المؤثر ، الشيخ علي الدقر رحمه الله تعالى ورضي عنه وهو الأستاذ الأول ، والمربي صاحب التأثير الأكبر في حياة الشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمه الله ، والذي كان يذكره في معظم مجالسه ، ويردُّ ماحققه من نجاح في حياته إلى الله عزوجل أولاً ، وإلى شيخه ومربيه الشيخ علي الدقر ثانياً .
1ً- مولده :
ولد الشيخ علي الدقر في دمشق حوالي عام 1294 هجرية الموافق لسنة 1877 ميلادية من أسرة صالحة ، وكان والده يعمل بالتجارة بهمة ونشاط ، وقد حصل منها على ثروة طائلة .
2ً- نشأته العلمية وأساتذته :
كان الشيخ يحب عم أبيه حباً كبيراً ، وعلى يديه بدأت حياته العلمية والدينية ، ولازمه ملازمة تامة ، وتعلم القراءة والكتابة في الكتاتيب ، ثم انتقل إلى مدرسة الشيخ عيد السفرجلاني ومكث عنده سنوات ، وخلال ذلك كان يقصد مسجد ( سنان باشا ) مع عم أبيه يصلي فيه مع الجماعة ، ويحضر بعض دروس في الفقه والنحو .
لازم بعد ذلك الشيخ محمد القاسمي ، فقرأ عليه علوم العربية ، وعلوم الدين والأصول والتوحيد ، وبقي عنده زمناً طويلاً حتى صار من خاصته ، يستعين به على التعليم ، فبدأ التدريس في عهد شيخه ، وثابر على العلم والتعليم ، إلى أن بلغ مبلغاً من العلم مكَّنه من تدريس الكتب الكبار في النحو والفقه الشافعي .
كذلك لازم المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني ، وقرأ عليه الكتب الخمسة في الحديث ، وكان من خُلَّص طلابه وله عنده منزلة سامية من الحب والتقدير ، وكان يختاره إماماً لصلاة العشاء في الدرس الخاص الذي كان يقام في منزل الشيخ بدر الدين على الرغم من وجود كبار العلماء .
وقرأ أيضاً على الشيخ أمين سويد بعض العلوم الشرعية ، لاسيما علم التصوف والأخلاق .
3ً- النهضة العلمية والدعوية التي قام بها :
أسفر الجد والاجتهاد وملازمة العلماء مدة طويلة من الزمن ، عن عالم جليل وداعية غيور هو الشيخ علي الدقر رحمه الله تعالى ، الذي ما اتخذ من العلم وسيلة لتصدر المجالس ، ولاطريقاً لنيل الجاه والمنزلة ، بل كان يعتقد أن هذا العلم الذي أكرمه الله به ينبغي أن يبذل في خدمة دين الله عزوجل ، وفي نشر الوعي والمعرفة في صفوف الأمة التي أنهكها الجهل ، وأودى بها إلى دركات المهانة والتقهقر .
وهبَّ الشيخ ينشر ماآتاه الله من علم ، وما وهبه من معرفة ليُبصِّر بها أفراد أمته الجاهلين اللاهين وليبعث في مجتمعه نهضة علمية دينية وأخلاقية رائعة ، عمَّت معظم أنحاء مدينة دمشق ، ودخلت بيوتها وأثرت في نسائها ورجالها ، وراح يحث الناس على طلب العلم ، وخاصة الشرعي عندما رأى انصرافهم عنه لقلة جدواه المادية فكان يبث في نفوس طلابه اليقين بالله ، وأن الرزق محتوم ، وأن أعظم خدمة تقرب إلى الله هي خدمة الدين ونشره .
ابتدأ ذلك في جامع( سنان باشا) في حي باب الجابية ، وذلك أثناء الحرب العالمية الأولى وبعد وفاة شيخه محمد القاسمي ، واستمر على ذلك رغم العدد البسيط من الطلاب ، الذين كانوا يؤمون دروسه فقد انشغل الناس في تلك الفترة بتحصيل قوتهم لأن البلاد كانت تمر بمرحلة قاسية وشديدة ، وصبر الشيخ على التعليم والدعوة من غير كلل ولا ملل زمناً طويلاً ، ثم توافد الناس لحضور دروسه حتى أصبح الإقبال عليه عظيماً .
ولما وقعت سوريا في قبضة المستعمر الفرنسي ، قام الشيخ بما يجب أن يقوم به كل عالم صادق يشعر بمسؤوليته تجاه أمته ودينه ، فأخذ يحضُّ الناس على الجهاد ضد المحتلين ، بكلام فيه نبرة الإخلاص الشديد والغيرة العارمة ، وكان لذلك أثره البالغ في السامعين والحاضرين ، ولم يكتف بذلك بل رحل مع أستاذه المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين في جولة على المحافظات السورية ، يحثون الشعب على الثورة ضد المحتل الغاشم ، فكان لتلك الجولة صداها وأثرها الفعال في التحضير للثورة .
ومن أبرز أعماله في خدمة العلم ونشر المعرفة اهتمامه بتعليم أطفال المسلمين دينهم وأخلاق سلفهم الصالح فأنشأ في سبيل ذلك ( الجمعية الغراء ) سنة 1343هجرية بمعونة الوجهاء والتجار ممن يتصلون به ، وكانت جمعية مهمة ، لها قدرها ومكانتها في دمشق ، ووُضع لها قانون أساسي يوضح أهدافها ، ويذكر أعضاءها ، ويحدد مهماتهم ووظائفهم ، ولما قامت الجمعية لم يكن لها مركز معين ، ثم لم تلبث أن افتتحت لها مدرسة في المدرسة السميساطية لطلاب المرحلتين الابتدائية والثانوية ، وكان مركز الجمعية في المدرسة ، ولما كثر الطلاب الوافدون وضاقت بهم مدرستهم على رحابتها ، اعتمدت الجمعية مراكز للتدريس ، في جامع العداس ، والتكية السليمانية ، والمدرسة الخيضرية وسواها وفي سنة 1353هجرية أسست الجمعية في جامع تنكز ، بشارع النصر ثانوية شرعية تسمى ( معهد العلوم الشرعية الإسلامية ) وكانت الجمعية تقدم لطلابها ، الطعام والكساء ، والمبيت ، وتعلم الفقراء مجاناً ، وتهتم بعلوم الدين والدنيا والتوجيه الخلقي العام ، وقد بلغ مجموع معاهد الجمعية الغراء للعلوم الشرعية ، ستة تضم نحواً من أربعمائة طالب من شتى البلدان والقرى ، وبلغت مدارسها الابتدائية للذكور ثلاثة ، وللإناث اثنتين تضم أكثر من ألف وخمسمائة تلميذ وتلميذة .
واتسع نشاط الشيخ وامتد نفعه خارج دمشق ، ليصل إلى القرى السورية الجنوبية وإلى الأردن ، وإلى البقاع في لبنان وغيرها ، فكان الشيخ يرسل طلابه المقتدرين إلى هناك يرغبونهم في طلب العلم ، فانهال عليه التلاميذ من القرى ، وخصوصاً قرى حوران وتخرج منهم القضاة ، والمفتون ، والمدرسون ، والخطباء والوعاظ ، وتخرج في معهد العلوم الشرعية الإسلامية أكثر من أربعة آلاف طالب ، كان يرسل منهم المئات إلى الجهات المختلفة البعيدة والقريبة وخاصة في رمضان يعلمون الناس أمور دينهم
4ً- لمحات من صفاته وأخلاقه :
لقد كان الشيخ علي الدقر رحمه الله تعالى يستشعر مسؤولية العلم ، وأنه حجة على حامله ، فما كان العلم عنده غاية يبتغي الوصول إليها فحسب ، بل كان يعتقد أن العلم وسيلة للغاية الكبرى ، وهي معرفة الله عزوجل معرفة صحيحة ، ومعرفة شريعته ومعرفة أخلاق الإسلام التي جسدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليسعد هو بها
وليُسعِد كلَّ مَن حوله ولينقلها للآخرين صافية نقية ، فيعم الخير وتهتدي الأمة إلى مافيه صلاحها في دنياها وآخرتها . ومن هنا فقد أخذ الشيخ نفسه بأخلاق الدين والتمسك بآدابه يثور لانتهاك الحرمات ، بل ولترك سُنة من السنن ، ولايخشى في الله لومة لائم ، جريء بقول الحق ، وكانت هذه تربيته لأهله وجيرانه ، وخاصته وتلاميذه وعامة الناس ، فلا يترك إرشادهم ووعظهم ، لافي السوق ولا في البيت لافي النزهة ولافي الطريق ، لايفرق في هذا بين صغير أو كبير ، أمير أو مأمور يرى أن كل علم لايُورِّث خشية لايزيد صاحبه من الله إلا بعداً ، ولهذا حرص على التوازن بين العلم والخشية .
وكان مخلصاً يبتغي وجه ربه في عمله . زهد في المال ورأى الدنيا عرضاً زائلاً ولمع اسمه مرشداً واعظاً ، وكان كلامه وحديثه ينبع من تقواه وإخلاصه ، فيؤثر في السامعين لايكادون يترددون إليه مرات قليلة ، حتى يتغير سلوكهم سريعاً وقد سئل أكثر من مرة ، عن سر تأثيره في الناس ، وإقبالهم عليه ، فكان لايحب أن يجيب على ذلك لئلا يصيبه الرياء والعجب ، ولكن في مجلس من المجالس أفصح عن ذلك لبعض أحبابه ومريديه ، فقال إنه في كل يوم قبيل الفجر في ساعة السحر يقرأ بعضاً من أجزاء القرآن الكريم على نية أن يُغير الله حال سامعيه وأن يكتب لهم الهداية والنفع لذلك لاعجب أن تنجذب له العقول ، وتهفو إلى كلامه القلوب ، وتذرف عند سماعه العيون . وكان حركة دائبة لاتتوقف منذ الفجر وإلى آخر اليوم ، يقضي ذلك بين صلاة وذكر ، أو تعليم وإشراف على دروس طلابه ، الذين امتلأت بهم المساجد أو في درس توجيه ووعظ ، أو دروس علمية متخصصة في الفقه والأصول والتفسير والحديث والفرائض ، واستمر على ذلك سنين طوالاً إلى آخر حياته .
ولقد أثمرت هذه الأخلاق وهذا الدأب ، عدداً كبيراً من طلاب العلم الذين بلغوا الآلاف والذين نبغ منهم الكثيرون ، فكانوا من خيرة علماء دمشق ، وسار بعضهم على طريقته كالشيخ عبد الكريم الرفاعي وغيره رحمهم الله تعالى والذين ساهموا في إعادة البلاد إلى ملامحها المسلمة الأصيلة .
5ً - وفاته :
توفي الشيخ يوم الثلاثاء 25صفر من سنة 1362 هجرية والموافقة لسنة 1943 ميلادية ، وصُلي عليه في الجامع الأموي بجنازة حافلة ، حضرها كبار العلماء والوجهاء وعامة الناس ، وكلٌّ يبدو عليه التأثر والحزن ، ثم دفن في مقبرة الباب الصغير ، وأقيم له هناك حفل تأبيني ألقيت فيه الكلمات المؤثرة .
رحم الله الشيخ علياً الدقر ، وجزاه عن علمه ودعوته ونهضته ، خير الجزاء وأجزل له العطاء ، وجمعنا به مع علمائنا الأبرار تحت لواء سيدنا ومصطفانا محمد صلى الله عليه وسلم .منقـــــــــــــــــــــــــــــول | |
|