osama mousli
عدد الرسائل : 347 تاريخ التسجيل : 25/11/2006
| موضوع: العلامة والداعية الغيور الشيخ حسن حبنكة الميداني رحمه الله الأحد نوفمبر 26, 2006 3:33 pm | |
| هو الذي أعاد بعلمه وأخلاقه ومواقفه سيرة سلطان العلماء العز بن عبد السلام رضي الله عنه ، والذي تذكره دمشق وسائر المدن السورية بالفخر والإجلال ، لما له في حياتها من أثر بالغ ، يمتد منذ عشرات السنين . إنه العلامة المجاهد والداعية الغيور ، الجريء في الحق ، الشجاع في مقارعة الباطل ، الشيخ حسن حبنكة الميداني عليه رحمة الله ورضوانه .
1ًـ مولده ونسبه :
ولد الشيخ رحمه الله في العام 1326 هجرية والموافق لعام 1908 ميلادية في دمشق في حيِّ الميدان ، المعروف بأصالته العربية ، وحبه للدين ، ومحافظته على العادات والشيم الرفيعة . ويعود نسب الشيخ إلى عرب بني خالد ، وهم قبيلة معروفة من قبائل العرب ، ولها منازل في بادية حماة من أرض الشام .
نشأ الشيخ في أحضان عائلة تتصف بالاستقامة والصلاح ، فوالده الحاج مرزوق عُرف بتدينه ومواظبته على الطاعات ، وحب فعل الخير ، والبر بوالديه وبخاصة والدته ، التي كان لها الخادم البار في سنيِّ كبرها وعجزها ، وكان مواظباً على العبادة في وقت السحر ، ويخرج إلى صلاة الفجر مبكراً فيصلي ويجلس للذكر وتلاوة القرآن ، وكان ذا رغبة صادقة في أن يكون ولده (حسن) عالماً .
وأما والدة الشيخ فهي الحاجة خديجة المصري ، من قرية الكسوة جنوب دمشق ، وهي من النساء الصالحات العفيفات ، وقد توفيت أثناء عودتها من رحلة الحج عن طريق البحر ، مع ابنها الشيخ حسن .
2ًـ نشأته وطلبه للعلم :
نشأ الشيخ منذ طفولته متوقد الذكاء ، قوي الحافظة طموحاً ، محباً للعلم والفضيلة والمجد ، فتعلم في الكُتاب القراءة والكتابة والقرآن ، ثم أرسله أبوه إلى مدرسة في أطراف دمشق ، يشرف عليها الشيخ شريف اليعقوبي وكان أهل علم وصلاح ، وبعد أن أنهى صفوف المدرسة عنده اتجه إلى أستاذ آخر ، كان قد سمع به في حيِّه وهو الشيخ طالب هيكل ، وكان له علم بشيء من النحو والصرف والفقه على مذهب الإمام الشافعي ، فاستفاد منه في هذه العلوم ، ثم تعرف على عالم آخر من المعروفين بالعلم والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الشيخ عبد القادر الأشهب ، فتلقى عنه أوسع مما تلقى عن شيخه السابق ، لكن رغبته في العلم ، وطموحه في التحصيل ، كانا يدفعانه إلى المزيد من العلم ، والجلوس بين يدي العلماء ، لاسيما وقد سمع بكبار العلماء في قلب مدينة دمشق ، فبدأ الاتصال بهم واحداً فواحداً ، ليروي نهمه العلمي ، وكان والده يشجعه على ذلك ، وقد تكفل به وبأسرته ، بعد أن زوجه في سن صغيرة في الخامسة عشر من عمره .
تابع الشيخ مسيرته العلمية ، بكل همة واجتهاد ونشاط ، ينهل من مختلف العلوم العربية والشرعية ، وحتى بعض العلوم الكونية مثل الطب وعلم النبات ، خصوصاً وقد أكرمه الله عز وجل بالتعرف على ثلة من جهابذة العلماء ، كان في مقدمتهم الشيخ محمود العطار وهو فقيه حنفي وعالم متمكن ، فتتلمذ على يديه سنين طوالاً ، كما اتصل بالعلامة التقي الورع والأصولي والفقيه البارع ، الشيخ أمين سويد رحمه الله تعالى ولازمه ملازمة طويلة ، ثم التقى عالماً ضليعاَ بعلوم اللغة العربية لاسيما البلاغة والأدب وحسن صياغة النصوص والإنشاء هو الشيخ عبد القادر الاسكندراني رحمه الله الذي أفاده في هذه العلوم كثيراً ، كما استفاد من عالم كردي متمكن في العلوم العقلية ( المنطق والفلسفة وأصول الفقه ) فقرأ عليه عدداً من الكتب في هذه العلوم ، كما تتلمذ على الشيخ عطا الكسم مفتي الديار الشامية ، فلازمه مدة سمع خلالها مسائل كثيرة من الفقه الحنفي ، وأكرمه الله تبارك وتعالى بالاتصال بعلامة الشام وشيخ مشايخها الشيخ بدر الدين الحسني الذي أفرد له وقتاً خاصاً ، ليقرأ عليه فيه واستمر ذلك حتى وفاة الشيخ بدر الدين رحمه الله تعالى فاستفاد من علمه وروحانيته الشيء الكثير .
هؤلاء هم أشهر الأساتذة والمشايخ ، الذين تلقى عنهم ، واغترف من غزير علومهم ومعارفهم واقتبس من أخلاقهم وصفاتهم ، مع ما وهبه الله من عقل ذكي وبديهة حاضرة وحب شديد للمعرفة بحيث أصبح من خيرة العلماء علماً وعملاً ودعوة .
3ًـ مرحلة الدعوة والتعليم :
لم يكن الشيخ محباً للعلم ، والاستزادة منه ، ليملأ به عقله وذهنه فحسب ، ومن ثم يتغنى بأمجاد العلم ويتعالى به على الناس ، بل كان العلم هو وسيلته إلى الدعوة إلى الله عز وجل ، وإصلاح المجتمع ، وتربية العلماء الراسخين ، الذين يقودون حركة الإصلاح والنهوض بمجتمعهم ، لذلك رأيناه يسلك طريق الدعوة والتعليم ، وهو بعد ما يزال صغيراً طالب علم ، فملأ وقته مابين طلب للعلم ومابين التعليم والوعظ والإرشاد ، وأصبح له طلاب يقصدونه ، ليقرؤا عليه بعض الكتب في مختلف العلوم بعد أن عاينوا تمكنه وحسن أسلوبه وشرحه .
ولما قامت النهضة العلمية الدعوية في دمشق ، على يد العالم الداعية الشيخ علي الدقر رحمه الله تعالى كان الشيخ حسن أحد أركانها ، وقدم لها كل إمكاناته وكان مديراً لإحدى المدارس التي أنشأها بالتعاون مع الجمعية الغراء جمعية الشيخ علي الدقر، وهي مدرسة (وقاية الأبناء) وشهدت المدرسة في عهد إدارته نجاحاً باهراً ، وتخرج منها طلاب علم غدوا فيما بعد من أكابر علماء الشام ، وفي هذه الأثناء لم ينقطع الشيخ حسن عن التعليم والدعوة في جامع منجك مقرِّ دعوته الرئيسي ، حيث كان الطلاب يتوافدون عليه صباحاً ومساءً ، ويتنقلون من علم إلى علم وفق منهج جادٍ صارمٍ ، لتبنى شخصياتهم العلمية بناءً قوياً راسخاً ، وكانت فكرة إنشاء معهد شرعي له نظامه المتكامل ، وصفوف متدرجة ، فكرة قد شغلت ذهن الشيخ وصمم على تنفيذها مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه ، وتم له ما أراد حين قام (معهد التوجيه الإسلامي) بإشراف الشيخ حسن وبمعونة طلابه المتقدمين ، الذين تعب على تدريسهم وتعليمهم ، ليكونوا من خيرة الأساتذة بل والعلماء ولقد تخرج من هذا المعهد ، العدد الكبير من طلاب العلم ، من سوريا ولبنان والأردن وتركيا وبعض البلاد الإفريقية ، والذين أصبح الكثير منهم علماء البلاد ومراجع الناس في العلم والفتوى .
ولم يعتن الشيخ كثيراً بالتأليف ، لأنه كان منصرفاً إلى تربية الرجال المؤمنين الصادقين وتخريج العلماء المتمكنين ، وطلابه اليوم والحمد لله هم في مقدمة علماء سوريا ، أمثال أخيه العالم الفقيه واللغوي الأديب ، والخطيب الحكيم ، الشيخ صادق حبنكة حفظه الله وبارك في حياته ، والشيخ حسين خطاب رحمه الله تعالى شيخ قراء الشام العالم العامل ، والداعية المؤثر ، وخلفه الشيخ محمد كريم راجح شيخ قراء الشام حالياً الخطيب المفوه ، والأديب الشاعر والفقيه الحاذق ، والشيخ الدكتور مصطفى الخن الفقيه الأصولي ، الأديب والمدرس في كليات الشريعة في دمشق وفي المملكة العربية السعودية ، والشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي العالم المفكر الفقيه الأصولي والداعية المشهور، ونجل الشيخ الأكبر الشيخ عبد الرحمن حبنكة رحمه الله تعالى العالم المطلع ، والمصنف المكثر الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة أم القرى في مكة المكرمة .
4ًـ أسلوبه في التعليم :
كان الشيخ حريصاً على أن يُخرِّج علماء ، يتقنون ما تعلموه ليستطيعوا بذله للناس بكل ثقة وأمانة فكان مع الطلاب المبتدئين ، كثير الشرح والبيان لمسائل العلم الذي يتلقونه ، يعطيهم مفاتيح العلوم ويحثهم على الرجوع إلى الكتب لفهم عباراتها ، وحفظ مسائلها ، وأما الطلاب المتقدمون ، فكان يدربهم على استخراج المسائل من مظانها ، وتحليل القضايا إلى عناصرها ، تحليلاً عقلياً منطقياً ويمرنهم على المناظرة والمحاورة ، لتكون لكل منهم شخصيته العلمية المستقلة ، التي تعتمد على قدراتها وتثق بإمكاناتها .
5ًـ مشاركاته العلمية :
كانت للشيخ مكانته العلمية والدينية المتميزة ، ولذلك لما تأسست جمعية لعلماء سوريا باسم (رابطة العلماء) كان الشيخ أحد أعضائها البارزين ، فكان الشيخ أبو الخير الميداني رئيساً لها والشيخ حسن حبنكة أميناً عاماً لها ، وقد قامت هذه الرابطة بدور توجيهي بالغ الأثر في الحياة العامة للبلاد .
وشارك الشيخ أيضاً في رابطة العالم الإسلامي ، واختير عضواً فيها عن سوريا خلفاً للشيخ مكي الكتاني رحمه الله تعالى ، وكان يحضر اجتماعاتها السنوية في مكة المكرمة مشاركاً بعلمه ورأيه .
6ًـ اهتمامه بالمجتمع والأعمال الخيرية :
إن مثل الشيخ حسن حبنكة رحمه الله تعالى ، في وراثته لهدي النبوة التي كانت رحمة للناس في كافة مجالات حياتهم ، لايمكن أن يكون بمعزل عن حياة الناس ، وعن المشاركة في حلِّ أزماتهم وتخفيف معاناتهم ، ورفع شأنهم في كل أمر ، لذلك وجَّه الشيخ عنايته إلى أفراد حيِّه أولاً يبحث عن الفقراء والمحتاجين والمرضى والأيتام ، ليحوطهم بكل ما يستطيع تقديمه لهم ، وذلك بمعونة أهل الخير والإحسان ، وراح يوجه إلى قيام وإنشاء الجمعيات الخيرية ، التي تتولى جمع التبرعات من زكوات وصدقات ، لتوزع على المستحقين بكل أمانة ودقة ، وكانت فاتحة هذه الجمعيات (جمعية أسرة العمل الخيري) ثم توسع هذا العمل المبرور ، إلى باقي أحياء وحارات الميدان ومدينة دمشق ، كما كان الشيخ أيضاً ملاذ الناس في معضلات أمورهم ، ومشاكلهم يهرعون إليه للنظر فيها والمساعدة على حلها ، فكان بيت الشيخ داراً للقضاء والشورى وفضِّ المنازعات .
7ًـ مواقفه الإسلامية الشجاعة :
إن من أعظم ما يتميز به الشيخ حسن رحمه الله تعالى جرأته في الحق ، وشجاعته في مواجهة الباطل ، وهي صفة رافقته منذ يفاعته وشبابه المبكر ، فحينما اندلعت الثورة السورية على المستعمر الفرنسي عام 1925م وكان الشيخ يطلب العلم ، وهو في مقتبل العمر في السابعة عشر من عمره ، هبَّ ليشارك الثوار المجاهدين ، وانضوى تحت لواء واحد من مشاهيرهم ، وهو الشيخ محمد الأشمر رحمه الله تعالى وشارك في قتال المغتصبين المحتلين .
ولما أرادت فرنسا فرض (قانون الطوائف) ، محاولة بذلك تغيير العديد من قوانين الأحوال الشخصية المستمدة من الشريعة الإسلامية ، قام الشيخ خطيباً ينبه العقول ، ويفضح الألاعيب ويُلهب المشاعر ، وكان لموقفه هذا أثره البالغ في إبطال العمل بذلك القانون المنحرف .
وهكذا كان الشيخ رحمه الله في كل مرة وفي أي عهد من العهود ، لسان الحق الجريء المقدام الذي ينافح عن عقيدة الأمة وتشريعها وتاريخها ، مرتكزاً في ذلك على علم راسخ ، ووعي يدرك أبعاد القضايا ، وحكمة تزن الأمور بميزان دقيق حساس ، وقلب عميق الصلة بالله والتوكل عليه واحتساب الأجر والثواب عنده وحده ، ولقد لقي الشيخ في سبيل ذلك من المكاره والأذى الشيء الكثير ، ولكنه وبفضل الله ومعونته خرج ظافراً منتصراً .
8ً ـ صفاته الشخصية ومشاركاته الأدبية ومختارات من شعره :
لقد أوتي الشيخ رحمه الله من الصفات الذاتية والمحامد الخلقية نصيباً موفوراً ، فكان حاد الذكاء حاضر البديهة ، وكان عميق التفكير ، صادق الفراسة ، وكان فصيح اللسان واسع الشرح والبيان وخطيباً جماهيرياً يملك قلوب وأفكار مستمعيه ، وكان محدثاً بارعاً يأسر مَن يحدثه بحسن بيانه وجواهر لفظه ، وكان رحمه الله عظيم الصبر على الناس كثير التسامح حريصاً على تأليف القلوب ، وكان كثير الاهتمام بعيادة المرضى والدعاء لهم بالشفاء ، وكان حكيماً في فضِّ المنازعات وإطفاء نيران الفتنة بين الناس ، وكان رحمه الله عفيفاً يعلم طلابه ويدربهم على العفة والترفع عن الدنايا والصغائر ، وكان متواضعاً وخصوصاً لرجل صالح أو عالم فاضل أو شيخ كبير السن أو امرأة عجوز ، وهو في ذات الوقت كان عزيزاً لم يُهن نفسه لغني من أجل غناه ، ولا لذي وجاهة في قومه من أجل وجاهته ، ولم يمالئ ذا سلطان وهو في سلطانه ، وكان الشيخ ذا حس ونفس أدبي واضح ، وربما نظم شعراً وجدانياً دينياً ، لكنه فيه مقلٌّ إذ لم يُفرِّغ نفسه له وفي مناسبة من مناسبات الحج فاضت مشاعره ببعض أبيات ومما قاله فيها :
صفق القلب للحجاز وثارا **** شفه الشـوق للحـبيب فـطـارا
واقتفت إثره الجسومُ غراماً **** فجرى الركب في الرمال وسارا
يا ديار الحبيب يا أنس قلبي **** عدل الدهر في الهوى أو جارا
يا بقاع الأنوار من فيض ربي **** حدثيني عن الرسـول جـهـارا
9ً ـ صفاته التربوية :
كان رحمه الله مربياً شديد الملاحظة والمتابعة ، لا تكاد تفوته كبيرة ولا صغيرة من حركات مَن هم في دائرة تربيته وتوجيهه ، وكان من أساليبه التربوية إلجاء مَن يشرف على تربيتهم إلى ممارسة الأمور التي يحرص أن يربيهم عليها ، من أعمال وأقوال وتعليم وتوجيه . وكان أخشى ما يخشاه أن يُصاب من هو في دائرة تربيته بالغرور بنفسه فيستكبر أو يقنع بما وصل إليه فلا يتابع مسيرته متنامياً متكاملاً . وكان من أساليبه التربوية أيضاً تصيد أيِّ حدث يمكن الاستفادة منه لتربية العقائد والمفاهيم الإسلامية وتثبيتها وتعميقها .
10ً ـ وفاته وتشييعه :
أصيب الشيخ بجلطة قلبية ، نتيجة الإجهاد والتعب المتواصل ، وما يحمل من هموم الأمة وآلامها ولكنها مرت بسلام ، إلا أن همة الشيخ وصحته لم تعد كما كانت من قبل ، وفي فجر الاثنين في 14ذي القعدة /1398 هجرية الموافق 16/10/1978م التحق الشيخ بالرفيق الأعلى عن عمر ناهز السبعين عاماً ، وكان قد أزمع السفر إلى مكة المكرمة ، لحضور مؤتمر من مؤتمرات رابطة العالم الإسلامي ، ثم الحج إلى بيت الله الحرام ، وما إن أشيع النبأ حتى عم الحزن والأسى بلاد الشام قاطبة ، وتقاطرت الوفود من كل الجهات لتشييع جنازته ، التي كانت جنازة ضخمة مشى فيها مئات الآلاف من محبي الشيخ وطلابه وعارفيه ، وصُلي عليه في الجامع الأموي الكبير في قلب دمشق ، ثم دُفن في حيِّه حيِّ الميدان بجوار المسجد الجامع الذي سعى في إنشائه وإعماره والذي سُمي فيما بعد جامع الحسن .
تغمد الله الشيخ حسناً بواسع رحمته ، ورفع مقامه في عليين ، وجزاه عن جهاده ودعوته وتعليمه أفضل ما يُجازى العاملون ، وجمعنا به مع أشياخنا وأحبابنا في مستقر رحمته ، تحت لواء الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .منقـــــــــــــــــــــــــول | |
|