نشأ محمد الغزالي السقا (1335 – 1416 هـ = 1917 – 1996 م) في أسرة مصرية صالحة أحبت التصوف وعملت بالتجارة. كان والده حافظاً للقرآن الكريم وبذل الكثير من الجهد كي يكون ابنه عالماً فحفِظ الابن كتاب الله في الصغر ثم انتقل من "نكلا العنب" بمحافظة البحيرة إلى الإسكندرية ليدرس العلوم الدينية وعمره عشر سنوات. وتخرج الغزالي في الأزهر حيث تخصص في الدعوة والإرشاد ثم نال شهادة الماجستير سنة 1362 هـ = 1943 م فعمل بالوعظ وقام بالتدريس في الأزهر، وفي جامعة أم القرى في المملكة العربية السعودية، وجامعة قطر، وجامعة الأمير عبدالقادر في الجزائر.
نجد ترجمة الغزالي في كتب كثيرة (البيومي، 1999 م، ج3، ص 400، العقيل، 2001 م، ص 25، الماص، 2002، ج1، ص 577) ويمكننا أن نستنبط منها أهم العوامل التي أثرت في تكوينه الفكري وفيما يلي بعضاً منها:
1) تعلق الغزالي منذ طفولته بالقراءة فعشقها حتى أنه كان يطالع الكتب أحياناً وهو يتناول الطعام.
2) أعجب الغزالي بأبي حامد الغزالي وابن تيمية من السابقين وبمحمد عبده ورشيد رضا من اللاحقين فأخذ يدرس أفكارهم العلمية والإصلاحية وفي كتبه خلاصة انتَـخَلها واستخلصها من السابقين والمعاصرين ثم زاد عليها ما تيسر له. كما استفاد من كتابات وحلقات فطاحل الأزهر أمثال عبدالعظيم الزرقاني ومحمود شلتوت. وهكذا فإن مصادر فكر الغزالي متنوعة فتأثر بالمدرسة العقلية المعاصرة وبالأشاعرة وبمذهب السلف لكنه لم يلتزم بمنهج طائفة معينة (القرضاوي، 1997 م، ص 81، العودة، 1409 هـ، ص 33).
3) مارس الغزالي الإصلاح عملياً مع حسن البنا مؤسس جماعة "الإخوان المسلمون" فتركت صحبته عظيم الأثر في نفسه وفكره، وسلوكه. قال الغزالي واصفاً البنا "كانت لدى "حسن البنا" ثروة طائلة من علم النفس، وفن التربية، وقواعد الاجتماع، وكان له بصر نافذ بطبائع الجماهير، وقيم الأفراد، وميزان المواهب" (في موكب الدعوة، ص 212). وهذه الجماعة النشطة رحبت بجهود المرأة في الدعوة، والإصلاح، والتثقيف. "الإخوان المسلمون" كحركة إصلاحية واسعة لها فلسفة تربوية واضحة، وإسهامات ثقافية متنوعة (صبح، 1993، ج1 ص 530، Al-Azemi, 2002). واجه الغزالي مع أستاذه حسن البنا طائفة من المنن والفتن التي تصيب المصلحين في كل حين. يكشف الغزالي في قذائف الحق عن طرف من سيرته الشخصية حيث انتسب لتلك لجماعة في العشرين من عمره ومكث فيها قرابة سبع عشرة سنة، كان خلالها عضواً في هيئتها التأسيسية، ثم عضواً في مكتب الإرشاد العام (ص 81).
4) اطلع الغزالي على أحوال العالم الإسلامي وشخَّص علله، وناقش الأفكار الحديثة، وحاول انتقاء المفيد منها. ولقد تألق الغزالي في معظم الأقطار الإسلامية حيث سافر وحاضر ونشر العلم وحاز الجوائز العلمية الرفيعة.
5) أدرك الغزالي أهمية الكتابة والخطابة في تغيير المجتمع فجند كل طاقاته الطموحة لنشر الدعوة الإسلامية ومكافحة الفساد والظلم والجهل. لم يترك هذا المصلح الجهاد الفكري بالقلم، والدفاع عن القيم إلى آخر رمق في حياته، ودُفن جثمانه في البقيع بقرب قبور الصحابة الكرام وفي ذلك تكريم لكل داعية للإسلام.
كتب الغزالي ديوانه الشعري اليتيم الحياة الأولى عام 1354 هـ = 1936 م وهو في بداية شبابه عندما كان طالبا في معهد الإسكندرية الثانوي ومحاولته المبكرة هذه لم يُكتب لها الاستمرار وكأنه وجد الخطابة والكتابة أقرب إلى قلبه فتوقف عن تدوين أشعاره وتوسع في تدعيم أفكاره من شعر غيره وسار على هذا النهج في كل كتبه. يضم ديوانه الشعري على تأملات عامة لمفهوم الإيمان والوطن والابتلاء والمرض والفضيلة والمجد.
اتبع الغزالي منهج علماء السلف فتخلق بأخلاقهم فكان يغير أفكاره بتواضع وشجاعة كلما زاد تحصيله أو تبين له بُعد قوله عن الصواب. كانت أفكار الغزالي ثورة على النفس قبل أن تكون ثورة على قيم راكدة شاعت بين الناس. قالت الباحثة هبة رؤوف: لقد نشأ الغزالي "في الريف حيث تحط التقاليد من شأن النساء فكانت كتاباته المبكرة متحفظة على مشاركة المرأة في المجتمع" ولكنه حين زاد وعيه بأوضاع المرأة المتردية نصر قضاياها (انظر آل رشي، 2002 م، ص 50).
شهد العلماء المعاصرون بسعة علم الغزالي فالمتخصصون يؤكدون على إمامته في الدعوة والأدب والتفسير والحديث والفقه (القضماني، 2002 م، ص 46، الفلوسي، 2000 م، خليل وآخرون، 1993). يقول عبد الله الحنفي (1996 م) لقد فتح الغزالي ملفا غنيا بالأفكار الأساسية، التي تشكل إجاباتها معالم الفكر الإسلامي الحر القادر على مواكبة الخطاب العالمي. قام الغزالي منذ شبابه بمحاربة الظلم الاجتماعي، وجاهد في تحرير المرأة باسم الإسلام (عبدالقدوس، 2002 م، ج3، ص 95، الميلاد، 2001، ص 126).
إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر أين أقامك