النهر الحزين(قصة خيالية)
________________________________________
وصل القطار الى المدينة ,في احدى مدن فرنسا المعروفة بجمال منظرها ,نزلت من القطار ورحت أنظر الى كل انحاء المدينة و أتأمل فيها وكأنها تذكرني بشيء لم يخطر على بالي يوما
بت في تلك المدينة عدة أيام ,لم أخرج فيها من الشقة و ذلك بسبب البرد القارس الذي ساد المدينه ذاك الوقت..وقت اصفرار أوراق الشجر
عندما مللت من الجلوس في ذلك المكان المظلم والبارد ,فضلّت الخروج ,كي أرى وأشاهد معالم هذه المدينة وما الذي ميزها عن تلك المدن الأخرى في فرنسا والعالم
عندما وصلت الى أحد الأنهر المشهورة هناك ويدعى نهر الرآين ,جلست بالقرب منه وتخيلته بفتاه تلبس فستانا جميلا مزركشا باللونين الاحمر والاصفر ,كما كانت ايضا تضع على رأسها قبعة بيضاء اللون , وعندما لمستها بيدي , أخذ شعرها الأزرق فيموج وينتشر, فأصبحنا اصدقاء من ذلك اليوم , وأصبحت آتي اليها كل يوم ,فلقد وجدت فيها الصديقة الحميمة , والرفيقة المخلصة , والأم الحنون في وحدتي وغربتي , وكانت كلما رأتني مستاء حزين , خففت من همي وردت لي الأمل و نشرت البهجة على قلبي.
أخذت الأيام تمر و انشغلت عن النهر ولم أزره لمدة, فقد انشغلت بعملي الشاق والطويل ,بدأ الشتاء ولم أرى النهر بعد ,الى أن جاء يوم عطلتي ,فقررت أن أراه , وأن أزوره ,وهكذا حدث ,فسعدت كثيرا لرؤيتي ,وكادت أن تبكي من الفرح ,لقد كان اليوم باردا والجبال تكسوها الثلوج والنهر اخذ يتجمد من شدة البرد فحزنت لألمها كثيرا
لقد ثبتت في مكانها دون أي حركة وذهب بريقها وكفت عن الجريان ,كلمتها فلم تجبني ,قلت لها أنه في الوقت القريب سأعود الى وطني ,نظرت اليّ وكانت تبتسم لي وتقول بصوت خافت ورقيق :إني سعيدة جدا لأنك ستذهب الى وطنك وأهلك وأصحابك ,فأحسست من صفاء قلبها أنها لم تكن راضية عن ذلك ,فثبّت فيها الأمل , وقلت لها :مهما حدث فإنه سيأتي اليوم الذي ستتعرفين فيها على أصدقاء جدد يأتون ويذهبون ,ولعل في أحد الأيام التقيت بقطرات مائك في البحر الذي يحيط وطني وسأنتظرها
أخيرا جاء اليوم الذي سأسافر فيه ,الشمس اخترقت غيوم السماء ,وغزت الأرض, ولدها القديم , واهتزت الجبال طربا وجدت دموع ثلجها الغزير ,وقمم الجليد في النهر أصبحت تطقطق وتنهار, وهي تذوب , وفتحت الأرض عيونها الزرقاء وانطلقت من صدرها الأزهار الملونة ذات الرائحة العطرة والغابات الريانة الخضراء والقصور المخضرة بالعنادل والبلابل وغير النهر ثوبه الأصفر و الأحمر بالأخضر وقبعته البيضاء بالزرقاء وكانت الطبيعة تبتسم , وبدا في نفسي ربيع جديد, انشقت من قلبي ازهار جديدة وعواطف الحرية ,كأنها الورود ,لقد مد الأمل من جديد خضرته الضاحكة على قبور رغباتي الهامدة ,فجاءة سمعت صوتا وكأنه صوت بكاء ملاك صغير ينادي بإسمي ..لا ..أنه النهر يناديني ..نظرت إليه ورأيت شحوب وجهه الرقيق والدموع التي ملأت هذا الوادي العميق ,اقتربت منه قليلا وإذ بالأرض تمليء بأزهارها ورودها الفتانة ,التي رواها النهر بمياهه , أما الأزهار التي كانت تجالسنا أيضا ,فحالها كانت كحال النهر الحزين ,فكانت قطرات المطر الساقطة من أوراقها الخضراء ,تسقط على التراب بكثرة وكأنها دموع..
سألتهم عن سبب حزنهم الشديد هذا ..قال النهر في يأس شديد :سترحل قريبا ..أليس كذلك ؟؟!!
دهشت كثيرا لهذه الكلمات لأنني تعلمت من الحياة درسا" بأن الصداقة بكل معانيها لا تستطيع شيء , أن تفرق بينها وان كانت الصداقة سهلة ,قلت :نعم , وازداد اليأس في هذه الطبيعة..
كانت هذه أخر نظرة أرى فيها النهر وقد تركت لها رسالة كتبتها لها بخط دمي الذي يجري بعروقي أننا لـن نفتـرق .......