إلى مَن أراد أن يهجر معصيته فتكالبت على باب طاعته شياطين الإنس والجن تقعده
فلم يجد مثل "علي" ينام مكانه..
إلى مَن جهز الزاد والراحلة فلم يجد صديقًا مثل "أبي بكر" يرافقه..
إلى مَن فرَّ بدينه وخُلُقه، فخرج وراءه القوم يطلبونه فلم يجد غارًا يأويه..
إلى مَن تاهت نفوسهم في صحراء المعاصي، فلم يجدوا دليلاً يبصرهم..
إلى الذي خرج يسعى ويُجاهد فجاءَه "سراقة" هذا الزمان يطلبه..
إلى المجاهد الذي خرج بنفسه وترك الأهل والديار، فقعد الشيطان في طريقه
يقول له: "أتترك دين آبائك وأهلك ودارك".
إليكم جميعًا هذه الكلمات لعلها تكون سبيلاً يروي ظمأ العطاشى
في هجير ذلك العصر أو تكون حداءً لقافلة نسير بها إلى رحاب
النبي إلى ضياء الموكب..
- هجرة ولا "صدِّيقَ" لها:
هجرتنا هجرة قلوب، ولكن
أين "صدِّيق" هذا الزمان، الذي يعين على نوائب الدهر
ويبذل كلَّ ماله من أجل الله؟
أين "صدِّيق" عصرنا، الذي يقف ويقول: "أينقص الدين وأنا حي !!!؟ "
إلا تنصروه فقد نصره الله:
إلا تنصروه فقد نصره الله.. قالها الله -عز وجل- يوم أن تثاقل بعض المؤمنين
عن الخروج في سبيل الله، فذكَّرهم بأنَّ النصر من عند الله، فيا شباب الإسلام،
إلا تنصروا هذا الدين فقد نصره الله..
إلا تنصروا محمدًا- صلى الله عليه وسلم- فقد نصره الله..!!
إلا تنصروا دين الله- بإقامة شرعِه- وتنصروا فرائضَه- بتأديتها- فإنَّ اللهَ ينصرُه..
﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾
دين الله غالب، وشمسه مشرقة لا محالةَ،
ولكن
أين أنت..؟!
أليس لك دور ومكان؟!
أليست لك مهمة؟!
ألست مسلمًا؟
أوَ لَست على الحق؟!
ألستَ وريث الرسالة وإليك وصلت الأمانة؟!
فأين دورك من نصرة دينه ورسالته؟
- ألم يأن للذين آمنوا أن يهاجروا..؟!
ألم يأن لشبابنا أن يهاجروا من كل مظاهر بعدهم عن دينهم..؟
ألم يأن للشباب أن يهجروا الخلاعة والمجون ويتحلَّوا بالجد والاجتهاد..؟
ألم يأن لهم أن يهجروا الإسراف ويتحلَّوا بالاقتصاد في الإنفاق والبُعد
عن التبذير وإضاعة المال..؟
ألم يأن لشبابنا أن يتخلَّوا عن إضاعة الوقت فيما لا يفيد..؟
ويتحلَّوا بحُسن اغتنام الوقت.. "اغتنم فراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك"..
ألم يأن لشبابنا أن يهجروا النظر إلى ما حرَّم الله في الشوارع والتلفاز وغيرهما،
وأن يتحلوا بغض البصر؛ فمن صان عرض غيره صان الله عرضه..؟
ألم يأن لشبابنا أن يهاجروا الكسل إلى الهمة وسمائها، وأن يهجروا
التواني إلى الجد والنشاط..؟
ألم يأن للشباب أن يتخلَّوا عن (شلة) السوء من الأصدقاء، ويهاجروا
إلى مَن اقتدَوا بأبي بكر..؟
ألم يأن لشباب الإسلام أن يتخلَّوا عن الفوضى والإهمال وعدم الانضباط في
الحياة إلى التحلِّي بالنظام والاستقامة والانضباط والترتيب
فإنَّ المسلم منظمٌ في شئونه، حريصٌ على وقته.
* في صحراء المعصية وقد قحطت العين وقسي القلب:
قطعت شهور العمر لهوًا وغفلةً *** ولم تحترم فـيما أتـيت المحرَّمـا
فلا رجبَ وافيت فيه بحقه *** ولا صمت شهر الصوم صومًا متمَّما
ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي *** مضى كنت قوامًا ولا كنت مُحرما
فهل لك أن تَمحوَ الذنوب بعَبرة *** وتبكي علـيها حسـرةً وتندُّمـا
وتستقبل العام الجديد بتوبةٍ *** لـعلك أن تمحوَ بها ما تقدَّمـا
في تلك الصحراء القاحلة لا ظلَّ لا ماءَ لا أحدَ، وحشةٌ في القلب، وضيقٌ في الصدر
بل وظلمة في الوجه، هذا هو شعور المعصية ينتاب المؤمن، لهبُ المعصية يحرقُ
ودخانها يخنِق، ودمع العين النادم ما عاد يسيل.. أقف حائرًا تائهًا
لا صديق ولا أنيس، فأسمع نداء ربي يقول: ﴿لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾
- أول الغيث الندى:
الغيث أوله الندى، وتشرق شمس عام جديد نقف على أعتابه، عام جديد
وعلى عملك شهيد، ولنا فيه وقفةٌ للحساب والمراجعة..
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (
استمع إلى كلام رسولك- صلى الله عليه وسلم- وهو يبين لك حقيقتك في هذه الحياة
فعن ابن عمر- رضي الله عنه- قال: أخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمنكبَيَّ فقال:
"كن في الدنيا كأنَّك غريب أو عابر سبيل"
وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر
المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" (أخرجه البخاري)
قال أبو بكر الصديق- رضي الله عنه-: "إنكم تغدون وتروحون إلى أجل قد غُيِّب
عنكم علمه، فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل
إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا"، وقال عمر رضي الله عنه:
"حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن لكم، وتأهَّبوا للعرض
الأكبر على الله.. ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾
حري بكم يا شباب الإسلام، أن تقفوا مع أنفسكم وقفةً جادة للمراجعة والمحاسبة
ماذا قدمتم لدينكم؟
ماذا أضفتم لرصيدكم العلمي؟
ماذا قدمتم للمجتمع وللناس؟
هل ازددتم قربًا من الله؟
هل ازددتم تمسكًا بسنة نبيكم؟
هل اكتشفتم الطاقة التي وضعها الله في داخلكم؟
هل تخلصتم من عاداتكم السيئة؟ هل تخلقتم بخُلُق جديد؟
هل جددت التوبة مع الله؟ هل لو كان هذا آخر عام لك في الدنيا
فستكون مستعدًا للقاء الله؟
وما هذه الأيام إلا مراحــل يحث بها داع إلى الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأملت أننا منـازل تطوى والمسافـر قاعـد
- ربح البيع أبا يحيى:
خرج مهاجرًا بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووقفوا في طريقه:
جئتنا صعلوكًا مغامرًا واليوم تخرج بالمال، لا ندعك تخرج حتى تعطينا مالك؟
فيدلهم على مكان ماله فيتركوه ويستقبله رسول الله- صلى الله عليه وسلم
في المدينة مبشرًا: "ربح البيع أبا يحيى" ويفوز بالصفقة
وفاز وربح كل مَن تاجر مع الله
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُّلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ
بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ
وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ
مِّن اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (
- يا شباب انتبهوا:
يا شباب الإسلام، الهجرة النبوية حادث في تاريخ الأمة جاء لنعتبر منه
ونقف فيه على أعتاب عام جديد، نرى ما قدمنا وما أخَّرنا، يتطلب منا
المراجعة والمحاسبة على عام فات ومضى، نحاسب أنفسنا على الفرائض
والنوافل، نحاسب أنفسنا على الأوامر والنواهي.
ماذا قدمت في ذلك العام لدين الإسلام؟ وماذا فعلت لخدمة الدين والمسلمين؟
"المهاجر مَن هجر السوء" فهل هجرنا كل سيء فينا..؟!
"لا يهجر مسلم أخاه فوق ثلاث"، يا ترى هل وصلت أخاك المقاطع؟!
يا تُرى هل هجرت قطع الرحم وأصبحت تصلها؟!
يا ترى هل هجرت عقوق الوالدين وأصبحت تبرُّهما وتدعو لهما؟!
هل هجرت رفقة السوء ورُحت لصحبة فيها "الصدِّيق" و"علي"؟
يا شباب لابد مَن وقفة للمحاسبة والمراجعة تنظروا فيها إلى الرصيد
من الحسنات وحساب السيئات.. كم كسبنا؟ وكم خسرنا؟
يجب أن نقف هذه الوقفة، وشعارنا ولسان حالنا يقول:
و"عجِلتُ إليك رب لترضى".
- يا مَن هجرت الطاعة وجهرت بالمعصية:
أما آن لك أن تدرك- وأنت تدخل عامًا هجريًا جديدًا- أن المعاصي والذنوب
سببٌ من أسباب الذل والمهانة، وكم تأتي المعاصي بتسلط الأعداء والذل
فإلى متى تهجر رحاب الطاعة، وتمضي معرضًا عن ربك؟!
أما سمعت قوله- عز وجل- في الحديث القدسي
"أهل طاعتي هم أهل محبتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إليَّ فأنا
حبيبهم، وإن أبَوْا فأنا طبيبهم.. أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب، الحسنة
عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة عندي بمثلها وأعفو، وعزتي وجلالي
لو استغفروني منها لغفرتها لهم، من أتاني منهم تائبًا تلقيته من بعيد، ومن أعرض
عني ناديته من قريب.. أقول له أين تذهب ألك ربٌّ سوايَ".
وأنتم أين دوركم؟
أين أنتم من رجال الهجرة وشبابها؟
"علي" نام مكان رسول الله ليؤدي الأمانات عنه إلى أهل مكة.
"عبد الله" كان يأتي بالأخبار.
"عامر بن فهيرة" كان يغطي الأثر.
"أسماء" تشق نطاقها وتحمل الزاد والمؤن.
و"صهيب" يترك ماله كله فرارًا بدينه.
و"مصعب" يهاجر سفيرًا يهيئ الأمر، ويمهد للدعوة في المدينة
كل هؤلاء شاركوا في أحداث الهجرة،
وأنت..؟
ألا تحب أن يكون لك أيضًا دورك في خدمة ونصرة هذا الدين،
إن الله إذا أحب عبدًا استخدمه، والاستخدام أن يستعملك لدين الله.
فأدع الله معى من كل قلبك أن يستعملنا لخدمة دينه ونصرة نبيه
وإلى لقاء على ضفاف نهر الكوثر
حيث يسقينا النبى الكريم بيده شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا